الوساطة المالية "المتقدمة".. ضرورة وتطوير

 

              بقلم:   د. حامد الكندري

                        الشريك المدير


 

 تمهيد

تبدأ حكاية أسواق المال من إصدار الأوراق المالية كالأسهم الصادرة عن شركات المساهمة، وهنا تسمى السوق خلال عملية الإصدار بـ: "السوق الأولية"، وبعد إصدار الأسهم يتم طرحها على التداول في البورصة والتي تسمى "السوق الثانوية"؛ وفي كلا السوقين (الإصدار الأولية) و(التداول الثانوية) يكون المستثمر راغبا بالتعامل بالأوراق المالية شراء وبيعا، فإذا قام المستثمر بتنفيذ أوامر التداول يصبح متداولا في سوق التداول الثانوية.

كما أن سوق التداول هذه تنقسم إلى قسمين أساسيين؛ الأول سوق الأسهم المدرجة وهي بورصة الكويت التي تخضع لأنظمة وقواعد تصدرها البورصة والسوق المنظمة لها شرائح سوق أول ثم رئيسي وفق مستوى معايير الإدراج بالبورصة، أما القسم الثاني فهي السوق الأسهم غير المدرجة في البورصة، وحتى هذه السوق أصدرت بورصة الكويت قواعدا تنظم آلية التعامل فيها.

أما بعد تنفيذ عملية التداول في السوق، فإن حكاية أخرى تبدأ، وهي التقاص والتسوية؛ حيث إن عملية التداول المنفذة لا تنقل الملكية إلا بعد إتمام تسوية العملية من خلال التقاص ما بين حسابات المتداولين (مادة 2-9-6، كتاب 4، اللائحة التنفيذية لقانون الهيئة رقم 7-2010)؛ حيث يتم تحويل الثمن لحساب البائع وتحويل الأوراق لحساب المشتري، وهي عملية مالية محاسبية تقوم بها بشكل أساسي الشركة الكويتية للمقاصة كونها وكالة مقاصة مرخصة بإجراء التقاص والتسوية، بالإضافة الى بعض الشركات التي لديها حق تنظيم تداول الأسهم غير المدرجة فقط دون الأسهم المدرجة.

لكن كل عمليات الشراء والتداول في جميع الأسواق السابقة هي عمليات مشروطة بوجود وكيل عن المستثمر لتنفيذها كما سنرى.

القسم الأول: الوسيط المالي المسجل في أسواق المال الكويتية

أولا: لماذا يكون هناك وكيل عن المستثمر قبل التداول في أسواق المال أصلا؟

في الواقع، يعتقد المستثمرون بأنهم أصحاب حق أصيل في دخول نظام أسواق المال ثم التعامل على الأوراق المالية؛ وهذا صحيح وليس عليه غبار، لكنه حق أصيل مشروط التنفيذ.

وهذا الشرط يعني أن حق المستثمر في دخول أسواق المال ليس متاحا له شخصيا، بل يجب أن يتم تنفيذه من خلال وكيل.

وهنا تظهر خصوصية أسواق المال القانونية التي كثيرا ما تخالف القواعد العامة الأساسية.

ففي القواعد العامة، طالما كان الشخص كامل الأهلية وتام الإرادة، فلا يجوز تقييد إرادته التعاقدية عبر اشتراط التعبير عنها من خلال وكيل، فهذا الأمر يخالف حرية الإرادة.

لكن أسواق المال محاطة بسور من القواعد الاستثنائية الصارمة، والتي كثيرا ما تقيد الإرادة الفردية للمستثمرين بغرض حماية المصلحة العامة للسوق.

ومن أهم القواعد العامة الملزمة في أسوق المال هي ضرورة التعبير عن الإرادة بالتداول من خلال وكيل متخصص بأمور التداول؛ هذا الوكيل الإجباري هو "الوسيط المالي".

 

 

ثانيا: لماذا يفرض نظام أسواق المال وجود وسيط مالي يفصل بين المستثمر ونظام السوق؟

يمكن تحديد الغاية من فرض وجود الوسيط المالي، في النقاط التالية:

(1) ارتفاع عدد المستثمرين الراغبين بالتعامل في أسواق المال؛ ففي الماضي كانت أعداد المستثمرين أقل، لذا كان من الممكن أن يجتمعوا في ساحة واحدة بغرض تداول الأوراق المالية، أما اليوم فيمكن أن تصل أعداد المستثمرين المتعاملين في جلسة تداول واحدة بالبورصة إلى مئات الآلاف. هذا الواقع فرض وجود عدد محدد من الوسطاء الماليين الذين يحق لهم دخول نظام جلسات التداول ثم إدخال أوامر المستثمرين.

(2) صعوبة دراسة الوضع المالي والتخطيط ثم تنفيذ عمليات التداول؛ حيث إن عالم الاستثمار ينطوي على مخاطر مالية جسيمة قد تؤدي إلى ذهاب رأس المال كاملا؛ أي أن الاستثمار في أسواق المال لا يمكن تشبيهه بشراء العقارات أو الذهب، بل إن المستثمر قد يجد الأسهم التي اشتراها جامدة لا يريد أحد شراءها أو يراها أسهما بلا قيمة سوقية بعد انهيار قيمتها في البورصة نتيجة عرضها الهائل للبيع على أي سعر. هذا الواقع الخطر يتطلب وجود وكيل عن المستثمر يقوم بعملية تسمى معرفة العميل المستثمر أي تحديد قدراته وأهدافه الاستثمارية ورسم مخططاته التداولية بما يتلاءم مع تلك القدرات والأهداف ثم تنفيذها على السعر وفي التوقيت المناسبين؛ هذا الوكيل هو الوسيط المالي.

(3) ضرورة وجود مرجعية عن كل مستثمر قبل السماح له بدخول السوق؛ حيث إن أسواق المال قد تتحول إلى ساحة مفتوحة لارتكاب الجرائم المالية مثل غسل الأموال التي يتم تنفيذها من خلال إخفاء الأموال الإجرامية عبر شراء أسهم في السوق أو منح الأموال الإجرامية مصدرا مشروعا من خلال شراء غاسل الأموال لأسهم رخيصة يعرضها المجرم بعد أن يعطي غاسل الأموال أموال الجريمة نقدا، فيقوم الغاسل بإيداعها في حساب التداول الخاص به، وبعدها يشتري الأسهم من المجرم؛ وهكذا ترجع الأموال للمجرم على شكل ثمن أسهم، في الوقت الذي تكون فيه تلك الأسهم لا تساوي القيمة التي تم دفعها بها. مثل هذه الممارسات الإجرامية تتطلب رقابة سابقة على مرحلة التداول بغرض معرفة شخصية كل عميل وتحديد هويته بدقة وعمله، ثم معرفة مصدر أمواله، هذه المرحلة تتطلب شخصا يتفاعل مع المستثمر بغرض سبر بياناته وتوضيح شخصيته ومصدر أمواله، هذا الشخص هو الوسيط المالي.

 ثالثا: كيف تعامل المشرع الكويتي مع فكرة الوسيط المالي في أسواق المال؟

بشكل أساسي، كانت فكرة المشرع الكويتي تجاه الوسيط المالي المتعمد تنقسم إلى المحاور التالية وفق قانون هيئة أسواق المال رقم 7-2010، واللائحة التنفيذية له الصادرة عن الهيئة:

(1) مهمة الوسيط المسماة: "اعرف عميلك" "Know Your Client"

حيث يتوجب على الوسيط الحصول على المعلومات والبيانات الصحيحة والكاملة التي تتيح له معرفة العميل (مادة 6-1-1، كتاب 7).

وكذلك، يتوجب على الوسيط التعرف على الوضع المالي للعميل (مادة 6-1-1، فقرات 1 إلى 5، كتاب 7).

كما يتوجب على الوسيط الحصول على أية معلومات من عميله بغرض الوقاية من غسل الأموال (مادة 3-1، كتاب 16).

هذه كانت أهم التوجيهات الأساسية بخصوص تعرف الوسيط المالي على عملائه المستثمرين؛ والهدف الأساسي واضح وهو تحصيل أكبر قدر ممكن من البيانات الشخصية والمالية التي تخص هؤلاء العملاء بغرض تحديد هويتهم ومعرفة مصدر أموالهم.

(2) تصنيف الوسيط على إنه "الرجل الحريص" مع أموال عملائه

أكدت الهيئة في اللائحة التنفيذية للقانون رقم 7-2010 على إنه يتعين على الشخص المرخص له -مثل الوسيط- أن يتصرف في جميع الأحوال بحسن نية ولمصلحة العملاء، ويبذل عناية الشخص الحريص، ويتصف دائما بالأمانة في كافة معاملاته (مادة 6-1-4، كتاب 7).

وهكذا، فإن اعتماد أي وسيط مالي كوسيط مرخص من الهيئة سيؤدي إلى إقامة مسؤوليته عن أي خطأ يضر به مصلحة عملائه المستثمرين بمعيار الرجل الحريص؛ أي أن المشرع فرض هامش حماية مرتفع لمصلحة العملاء بتعويضهم عن أي خطأ مهني يرتكبه الوسيط؛ فمثلا في حال تأخر الوسيط بإدخال أمر التداول الفوري في نظام التداول بالبورصة، فإن الوسيط مسؤول عن تعويض عميله عن أية خسائر أو ربح فائت تسبب به هذا التأخير.

 (3) واجب الوسيط بالرعاية المتخصصة لمصلحة عميله المستثمر

على اعتبار أن مبدأ اعرف عميلك قد ركز على جانب اكتشاف بيانات العملاء دون النص على معرفة مخططاتهم الاستثمارية ومقدراتهم المالية، فقد فرضت اللائحة التنفيذية على الوسيط أن يضع دائما نصب أعينه مصلحة العميل، وأن يبذل قصارى جهده لتحقيق مصالح عملائه (مادة 6-1-5، كتاب 7).

 

 

 

 

رابعا: ما هي الشروط العامة لاعتماد الشركة كوسيط مالي معتمد في أسواق المال؟

يمكن تحديد شروط الوسيط المالي المعتمد في أسواق المال الكويتية فيما يلي:

(1) أن يكون طالب الترخيص شركة مساهمة (ملحق 1، كتاب 5).

(2) أن تحصل الشركة على ترخيص بنشاط الوساطة المالية من هيئة أسواق المال، مع إمكانية الدمج بين عدد من النشاطات المرخصة مثل الوسيط وصانع السوق (مادة 1-3، كتاب 5).

(3) مشتملات طلب الترخيص (مادة 1-5، كتاب 5)؛ يجب أن يشتمل الطلب على:

اسم الشركة، وخطة العمل، والأنشطة، رأس المال، والمدفوع منه، والمساهمين من أصاحب السيطرة على 5% فأعلى من رأس المال، والسيطرة الفعلية بغض النظر عن أغلبية رأس المال، نسخة من عقد الشركة، وطلبات تسجيل الوظائف واجبة التسجيل في الجهات المرخصة مثل رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي ومدقق الحسابات، والبيانات المالية المدققة لآخر ثلاث سنوات قبل تاريخ تقديم الطلب، بالإضافة إلى تقديم استشارة لرأي قانوني من مكتب المستشار القانوني الخارجي للشركة عن القضايا أو مجموعة القضايا ذات الأثر الجوهري على المركز المالي، وتقديم إقرارات موقعة من مؤسسي الشركة بأنه لم يصدر ضدهم خلال خمس سنوات سابقة لتقديم طلب الترخيص أحكاما نهائية تتعلق بالإفلاس أو الشرف أو أية جرائم أخرى تحددها الهيئة، وإقرار بصحة المعلومات.

(4) البت بالطلب من الهيئة (مادة 1-7، كتاب 5): تدرس الهيئة طلب الترخيص، ولها أن تخطر طالب الترخيص بضرورة تقديم أي معلومات أو مستندات إضافية؛ وبشكل خاص القدرة المالية، والكفاءة الإدارية، والموارد الكافية لممارسة النشاط، فيما تبت الهيئة بطلب الترخيص خلال 3 أشهر من الطلب (مادة 1-9، كتاب 5)، ويمكن للهيئة قبول الترخيص مشروطا باستيفاء بعض المتطلبات خلال مدة معينة (مادة 1-10-2، كتاب 5)، أما في حالة رفض طلب الترخيص فيجب أن يكون القرار مسببا من الهيئة (مادة 1-11، كتاب 5)؛ حتى يتم مراجعة جدية الأسباب ووجاهتها لدى الاعتراض على قرار الرفض أو أمام القضاء الإداري.

(5) مدة الترخيص 3 سنوات قابلة للتجديد (مادة 1-12، كتاب 5)، ويكون للهيئة طلب مستندات إضافية بعد تقديم طلب التجديد (مادة 1-12-1، كتاب 5)، ويكون البت بطلب التجديد خلال شهرين من تاريخ تقديم الطلب، وإذا رفضت الهيئة الطلب فيجب أن يكون الرفض لانتفاء إحدى شروط الترخيص الأساسية والتي هي شروط استمرار بطبيعة الحال، وفي حال الرفض فيجب أن يكون قرار الهيئة مسببا (مادة 1-12-2، كتاب 5).

(6) تحقيق الحد الأدنى المدفوع لرأسمال الشركة طالبة الترخيص (مادة 1-8، كتاب 5)، وهو في حالة نشاط الوساطة المالية 5 ملايين دينار إذا كان مسجلا في بورصة الكويت أي يمارس الوساطة ضمن نظام التداول الخاص بالبورصة كسوق تداول ثانوية منظمة، أما إذا كان الطلب للترخيص بنشاط الوسيط المالي غير المسجل في البورصة بل في أسواق الإصدار أو التداول خارج البورصة التي لا تخضع لأنظمة السوق المنظمة؛ فعندها ينخفض الحد الأدنى لرأس المال المدفوع إلى مليون دينار فقط.

(7) إلغاء أو وقف الترخيص (مادة 1-13، كتاب 5)؛ حيث إن شروط الترخيص هي شروط استمرار، فيجب أن تبقى الشركة المرخصة بنشاط الوسيط محققة لها طيلة ممارستها لنشاط الوساطة، فللهيئة وقف الترخيص مؤقتا في أي وقت ترى فيه غياب أي شرط من شروط الترخيص مثل انخفاض رأس المال المدفوع لدى الوسيط عن الحد الأدنى، كما يكون للهيئة إلغاء الترخيص في حال لم تتم معالجة المخالفة. ويكون قرار الوقف أو الإلغاء مسببا (مادة 1-14، كتاب 5).

وفي حالة شعور إدارة الشركة بأن استمرارها بنشاط الوسيط قد أصبح مستحيلا بسبب مغادرة الكادر القادر على إدارة هذا النشاط مثلا، فيكون للشركة المعتمدة كوسيط مالي أن تطلب هي من ذاتها إلغاء ترخيصها (مادة 1-16، كتاب 5)؛ وذلك خشية من ارتكابها لمخالفات وتعرضها لغرامات تأديبية من الهيئة. كما يمكن في حالة حدوث طارئ مؤقت للوسيط أن يطلب التوقف عن تقديم خدمة الوساطة مؤقتا قبل 3 أشهر من التوقف (مادة 1-17، كتاب 5).

خامسا: ما هي آثار ترخيص الشركة كوسيط مالي معتمد من هيئة أسواق المال؟

وبعد قبول الترخيص تبدأ التزامات الشركة المرخصة كوسيط مالي ليس فقط في تنفيذ نشاطها المرخص، بل أيضا في إخطار الهيئة بكل ما يحدث في الشركة من اجتماعات دورية أو طارئة أو أحداث جوهرية (مادة 1-18، كتاب 5)، وعلى كل ما يتعلق بالسيطرة الفعلية على الشركة (مادة 1-19، كتاب 5).

كل ذلك حتى تكون الهيئة قادرة على اتخاذ قرار مطلع فيما يخص السماح للشركة بالاستمرار بممارسة نشاطها أو وقفه أو إلغاء الترخيص لها نهائيا.

 

 

 

 

القسم الثاني:

الوسيط المالي المؤهل والمركزي في أسواق المال الكويتية

أولا: ما هي مراحل تطوير أنظمة أسواق المال في الكويت؟

خضعت أسواق المال الكويتية إلى عدة مراحل تنظيمية:

Ø   المرحلة الأولى كانت قبل أزمة سوق المناخ حيث عانت السوق من المضاربات والتلاعبات.

Ø   المرحلة الثانية كانت بعد صدور قانون في الثمانينات بإنشاء لجنة لتنظيم البورصة، لكن القانون والقرارات الصادرة بمقتضاه كانت عامة، وقد شكلت عقبة أمام تطوير السوق.

Ø   المرحلة الثالثة إنشاء هيئة أسواق المال، حيث خضعت الأسواق لقانون إنشاء الهيئة رقم 7-2010 الذي جاء حديثا ومفصلا. لكن السوق بقيت بحاجة إلى تطوير في الجانب التنظيمي خاصة على صعيد الشركات التي تساهم في تشغيل السوق مثل الوسطاء وصناع السوق وجهات المقاصة والتسوية.

Ø   المرحلة الرابعة؛ وهي التي نعيش بداية تنفيذها، وهي المرحلة المترافقة مع رؤية كويت جديدة 2035؛ حيث تسعى هيئة أسواق المال إلى تطبيق أعلى معايير الشفافية والمرونة في التنظيم المنضبط لحركة التداول في الأسواق مع إتاحة الفرص الاستثمارية للمدخرين وأصحاب رؤوس الأموال بأقصى درجات الأمان والسرعة والمرونة في آن معا. الأمر الذي تطلب وجود أنشطة جديدة للترخيص في السوق؛ وبشكل خاص أنشطة الوساطة المتقدمة.

 

ثانياً: ما هي الوساطة المالية "المتقدمة" التي اعتمدتها هيئة أسواق المال في خطتها لتطوير السوق؟

بشكل عام، فإن الهيئة رغبت بتوسيع نطاق فكرة التقاص والتسوية حتى تشمل جهات مرخصة غير الشركة الكويتية للمقاصة؛ حيث إن هذا التوسيع يكفل السرعة والمرونة أكثر بالنسبة للمستثمر من جهة، ويفتح المجال لجهات جديدة حتى تستفيد من أتعاب وأرباح أسواق المال مثل البنوك وشركات الوساطة المالية التقليدية من جهة أخرى.

فظهرت لدى الهيئة فكرة اعتماد صورة متقدمة من الوساطة يتم فيها الدمج بين حفظ الأموال والأوراق المالية وبين تقاص حساباتها وتسويتها تنفيذا لعمليات التداول.

ويمكننا اختصار أنشطة الوساطة المتقدمة التي اعتمدتها هيئة أسواق المال حديثا بنشاطين أساسيين يتم من خلالهما إضافة بعض خدمات التقاص والتسوية الفرعية؛ وهما الوسيط المؤهل والوسيط المركزي.

ثالثا: من هو الوسيط المالي "المؤهل"؟

بداية الوسيط التقليدي المسجل يقوم باستقبال أوامر التداول الخاصة بعملائه ثم تنفيذها في نظام البورصة (مادة 1-34، كتاب 5)، وبعد التداول تتم عمليات التقاص والتسوية لدى وكالة المقاصة كما تجري العمليات التقليدية.

أما الوسيط المؤهل فيمكننا تحديد المحاور الأساسية التي تميز نشاطه عن الوسيط المسجل التقليدي، فيما يلي:

 

(1) السرعة والمرونة في تسوية التداول من خلال إدارة الوسيط المؤهل لحساب تداول مجمع خدمة لمصلحة عملائه

الوسيط المؤهل هو وسيط مالي مرخص بنشاط من الأنشطة التي تتطلب ترخيصا من الهيئة للعمل في البورصة (مادة 1-2-14، كتاب 5)؛ حيث إن الوسيط المؤهل لا يعمل إلا في البورصة وهي السوق المنظمة، ويشترط فيه أن يكون شركة مساهمة الحد الأدنى لرأسمالها 5 ملايين دينار (الملحق 1، الكتاب 5).

لكن النقطة الأولى التي تميز الوسيط المؤهل عن التقليدي هي إدارة حساب تداول "مجمع" بغرض إدارة تقاص وتسوية صفقات عملاء الوسيط المؤهل (عضو تقاص ومدير لأموال عملائه).

فوفقا للإجراءات التقليدية، تفتح وكالة المقاصة حسابات تداول باسم كل مساهم لأغراض التسوية (مادة 5-1، دليل قواعد الشركة الكويتية للمقاصة)؛ وهو ما جعل العمل على تسوية إجراءات التقاص من النشاطات ذات البيانات الضخمة والإجراءات المعقدة والطويلة.

أما بعد الترخيص للوسيط المؤهل، فيقوم هذا الوسيط -إضافة إلى تنفيذ التداول بالبورصة- باستلام وإيداع أموال وأصول العملاء فيما يسمى بالحساب المجمع؛ والذي هو ببساطة مملوك للوسيط ملكية تسجيل فيما يكون المتداول هو المستفيد الفعلي من الحساب، وهكذا يحل التعامل بين الوسطاء محل التعامل بين المتداولين لدى إتمام تسوية صفقات التداول.

فما يقوم به الوسيط المؤهل هو إيداع أصول العميل في حساب مجمع لعملائه (مادة 1-43-1 (2)، كتاب 5)، وبعدها يدير الوسيط المؤهل هذا الحساب المجمع كمالك مسجل للأموال والأوراق المودعة فيه (راجع تعريفات مسؤول حساب مجمع، كتاب 1)، في حين يكون المالكون الفعليون لهذا الحساب هم عملاء الوسيط المؤهل.

وحتى لا تختلط ملكية الأصول بين ما هو مسجل باسم الوسيط المؤهل كمالك مسجل وبين ما هو مملوك فعلا للوسيط المؤهل؛ فإن وكالة المقاصة تشترط الفصل التام والواضح بين الأموال والأصول المملوكة للوسطاء ملكية تسجيل في حساب مجمع والتي تعود منفعتها للعملاء من جهة، وبين الأموال والأصول المملوكة للوسطاء ملكية فعلية وفصلها بشكل كامل عن الحساب المجمع من جهة أخرى (المادة 5-3-4 (IV)، دليل قواعد الشركة الكويتية للمقاصة).

والغرض من فكرة الفصل بين الملكية بالتسجيل والملكية الفعلية في الحساب المجمع الذي يديره الوسيط المؤهل؛ هو تسريع عمليات التسوية والتقاص، فبدلا من أن تجري التعاملات بين حسابات المتداولين المستقلة بإدارة وكالة المقاصة، فإنها تجري في حساب مجمع واحد يمتلكه ويديره الوسيط المؤهل لحساب عملائه تحت إشراف وكالة المقاصة (المادة 1-43-2 (3)، كتاب 5).

وهكذا، فإن صفقة التداول سيتم تنفيذها في البورصة، ثم يتم تسويتها وتقاصها من خلال الحسابات المجمعة التي يديرها الوسطاء المؤهلين، وبعدها تقوم وكالة المقاصة (والمرخصة بنشاطها الشركة الكويتية للمقاصة) بتحويل الأموال والأصول المرتبة للمتداولين إلى حسابات الوسطاء المجمعة مباشرة، ثم يطلب كل متداول من وسيطه المؤهل شيكا أو تحويلا بحقه الناتج عن صفقة التداول.

فالوسيط المؤهل ببساطة يمسك حساب مجمع يستطيع بموجبه أن يدير فورا وبشكل فردي تسوية وتقاص عمليات التداول التي تنفذ لمصلحة عملائه تحت إشراف وكالة المقاصة؛ وهو الأمر الذي يكفل سرعة ومرونة مرحلة ما بعد تنفيذ التداول.

حيث كانت وكالة المقاصة في السابق تأخذ وقتا يصل إلى أيام حتى تقوم بالتسوية والتقاص بين حسابات المتداولين، وكان دور الوسيط المسجل التقليدي يقتصر على إرسال الأوامر وطلب التحويل باسم عميله، أما مع الوسيط المالي المؤهل فإن عملية التسوية والتقاص التالية للتداول تتم بسرعة من خلال الوسيط نفسه الذي يقدم هذه الخدمة لعملائه من خلال الحساب المجمع.

فإذا، الحساب المجمع هو ببساطة حساب يجعل الوسيط المؤهل مالكا مسجلا لحساب عميله من أموال وأوراق مالية فيما يكون المستثمر هو المالك الفعلي، وتكون ملكية الوسيط المؤهل مشار إليها طبعا في الحساب المجمع على أنها ملكية تسجيل فقط لمصلحة أطراف أخرى.

وسنوضح أكثر هذه بمثال، فمثلا، يستطيع المشتري الذي أبرم اتفاقية مع وسيط مؤهل الحصول على الأسهم التي يريدها بأسرع وقت من خلال تحويل أمواله لحساب الوسيط المؤهل، ثم إصدار أمر شراء تداولي للأسهم موجه إلى هذا الوسيط المؤهل، وبعد تنفيذ الشراء تتم تسوية الصفقة عبر الدفع من حساب الوسيط المجمع مباشرة وليس من حسابات المتداول الشخصية، وهكذا تقوم وكالة المقاصة بتحويل حقوق المتداولين إلى الحساب المجمع مباشرة.

وعلينا أن نتخيل التسهيل والمرونة والسرعة في الفرق ما بين إجراء التسوية بين حسابات ملايين المساهمين في وكالة المقاصة، وبين إجراء التسوية بين حسابات مجمعة لعشرة وسطاء مرخصين كوسطاء مؤهلين مثلاً.

وهكذا، فقد انتقل مفهوم الوسيط المالي من وكيل عن المتداول يقتصر دوره على استقبال أوامر التداول وإرسالها إلى نظام البورصة بغرض تنفيذها، إلى وسيط قادر على تنفيذ ثم المساهمة في إدارة تسوية صفقات التداول.

 

 

(2) تسهيل عمليات التداول بالهامش من خلال إدارة الوسيط المؤهل للأنشطة الفرعية المرخص له بها من خلال الحساب المجمع

فإذا افترضنا بأن الوسيط المؤهل كان مرخصا بتقديم خدمة التداول بالهامش لعملائه مثلا؛ أي منحهم تمويل تداولي لتنفيذ الصفقة، فإن الوسيط المؤهل بهذه الحالة يستطيع تسوية الصفقة من خلال الحساب المجمع الذي أودع فيه أصول عملائه بمنتهى المرونة والسرعة؛ لأن هذا الحساب مملوك له، فعندما يموله تكون إجراءات التحويل ميسرة وسريعة وآمنة تحت إشراف وكالة المقاصة.

ولنا أن نتخيل مقدار التيسير على النطاق المالي والإجرائي لتنفيذ وتسوية صفقات التداول في مثل هذه الحالات؛ فالوسيط إضافة إلى أنه يساعد المتداول في تمويل الصفقة، فإنه يمكن أن يقوم بدراسة مخاطرها، ثم بتنفيذها وإدارة تسويتها في حساب مجمع يملكه ويديره الوسيط المالي نفسه الذي استقبل أمر التداول.

ليس هذا فقط، بل إن خدمات التمويل بالهامش إضافة إلى مرونة تسوية الصفقات من خلال الحساب المجمع، فإنها ستؤدي إلى فتح الباب واسعا أمام خدمات تمويلية تقدمها البنوك التجارية والاستثمارية بالتعاون مع الوسطاء المؤهلين.

وهكذا، يبدو أن سبب وجود الوسيط المؤهل في السوق الكويتية ليس فقط تسهيل وتسريع تسوية الصفقات عبر اختصار مرحلة ما بعد التداول في تعاملات الحسابات المجمعة، بل إن السبب الأهم هو تشكيل بيئة خصبة لجذب المستثمرين نحو الخدمات التداولية الجديدة مثل التداول بالهامش وغيرها من ابتكارات أسواق المال؛ حيث يساهم الوسيط المؤهل في تسهيل تنفيذ وتسوية التعاملات عليها مع عملائه.

(3) زيادة أمان إجراءات التداول من خلال اشتراط ضمانات تنظيمية إضافية على الوسيط المؤهل

فعلى اعتبار أن نشاط الوسيط المؤهل ينطوي على صلاحيات أوسع ممنوحة للوسيط عما كان عليه الأمر لدى الوسيط المسجل التقليدي، حيث إن الوسيط المؤهل هو (مدير حساب مجمع + مالك مسجل لأصول الحساب المجمع + مدير للتسوية والتقاص في الحساب المجمع تحت إشراف وكالة المقاصة).

بناء عليه، فقد ألزمت الهيئة كل وسيط مؤهل بالخضوع لرقابة وكالة المقاصة (مادة 1-43-2 (3)، كتاب 5)، كما يتوجب على الوسيط المؤهل أن يصدر نظم داخلية تكفل انضباط عمليات التسوية في الحساب المجمع إضافة إلى ضبط منظومته الإلكترونية بأحدث معايير الأمان (مادة 1-43-3، كتاب 5).

رابعاً: من هو الوسيط "المركزي"؟

(1) وكالة المقاصة هي الوسيط المركزي

فالوسيط المركزي ليس وسيط تداولي مثل الوسيط المسجل أو المؤهل، بل إن الوسيط المركزي هو وسيط للتقاص؛ حيث يقتصر عمله على مرحلة "ما بعد التداول" فقط، ولذلك فتقوم وكالة المقاصة بهذا النشاط بعد ترخيصه من الهيئة (مادة 2-4-8، كتاب 4)، أي أن الوسيط المركزي سيكون هو الشركة الكويتية للمقاصة كوكالة مقاصة مرخصة بهذا النشاط الفرعي.

وهكذا، ستلعب وكالة المقاصة دور وسيط التقاص المركزي المرخص، وهو دور مركزي بين البائع والمشتري بغرض إتمام التسوية والتقاص تجاه كل طرف تجاه الآخر لضمان عدم حدوث نقص في الأموال أو الأوراق اللازمة للتقاص والتسوية؛ أي أن الوسيط المركزي هو عبارة عن ضامن لإتمام تسوية الصفقات التي تم تنفيذها في البورصة.

(2) ثغرات ضمان التسوية قبل إنشاء دور الوسيط المركزي

في السابق كانت الوكالة الكويتية للمقاصة تلزم كل وسيط وكل أمين حفظ للأموال والأوراق بدعم نشاط التداول لعملائهم وتغطية أية إخفاقات أثناء التسوية (مادة 7-1-1، دليل قواعد الشركة الكويتية للمقاصة)، وذلك عبر وضع حساب بنكي باسم الوسيط أو الأمين تحت إدارة المقاصة (مادة 7-1-2) التي كان لها حق السحب من حساب الضمان في حال حدوث تعثر في التسوية (مادة 7-1-3).

لكن أسلوب الضمان هذا كان غير منضبط وغير كامل لأنه كان ضمانا مشتتا بين جميع الوسطاء وأمناء الحفظ المرخصين في السوق، كما أن الحساب المخصص للضمان وفق الصورة السابقة قد يكفي لتغطية فشل التسوية الخاصة بالصفقات الضخمة، إضافة إلى أنه يبقى من الأصول المعرضة للمخاطر وفق الوضع المالي للوسيط أو الأمين.

(3) الدور الجوهري القادم للوسيط المركزي في زيادة نشاط أسواق المال

يقدم الوسيط المركزي إلى جانب خدمة التقاص والتسوية التقليدية خدمة أخرى ذات أهمية جوهرية للمتداولين، وهي تقمص صفة البائع تجاه كل مشتري، وصفة المشتري تجاه كل بائع (تعريف الوسيط المركزي، كتاب 1).

وسنبسط هذه الفكرة بمثال، لنفرض أن المشتري لسهم معين يريد كمية من الأسهم بأي ثمن لأنه يتوقع ارتفاع سعره، لكن هذا المشتري يخشى أن تتعثر تسوية صفقة الشراء حتى بعد تنفيذها في البورصة بسبب نكول البائع أو عدم توفر الأسهم في وقت التسوية وغيرها من الأسباب؛ فهنا يصبح الوسيط المركزي هو الشخص البائع خلال مرحلة التسوية، فيكون الوسيط المركزي مسؤولا شخصيا عن توفير الأسهم المشتراة وتسويتها وكأن الوسيط المركزي هو البائع.

 وبالمقابل، لنفرض أن بائع لسهم معين يريد بيعها بأي ثمن لأنه يتوقع انخفاض سعرها، لكن هذا البائع يخشى أن تتعثر تسوية صفقة البيع حتى بعد تنفيذها في البورصة بسبب نكول المشتري أو عدم توفر أموال سائلة كافية في وقت التسوية وغيرها من الأسباب؛ فهنا يصبح الوسيط المركزي هو الشخص المشتري خلال مرحلة التسوية، فيكون الوسيط المركزي مسؤولا شخصيا عن توفير الأموال ثمن الأسهم المشتراة وتسويتها وكأن الوسيط المركزي هو المشتري.

وبالتأكيد، فإن نشاط الوسيط المركزي يوفر أمانا وضمانا كبيرا وجوهريا للمتداولين، ويشجعهم على التداول أكثر من غير خشية تعثر تسوية الصفقة.

لذا فإن ترخيص وكالة المقاصة بهذا النشاط جاء حتى يزيد من زخم الإقبال على أسواق المال من المدخرين والمستثمرين الذين كانت لديهم خشية من عدم تسوية صفقاتهم بعد تنفيذها بسبب عدم التزام الطرف الآخر بتأمين الأموال أو الأوراق اللازمة.

 


Share this post
Tags
Archive
سوق الهوامير الى أين؟