الأسهم الحرة في بورصة الكويت..
سوق الهوامير الى أين؟
بقلم: د. حامد الكندري
الشريك المدير
الأسهم الحرة في بورصة الكويت..
سوق الهوامير الى أين؟
تسعى أسواق المال إلى جعل الشركات المساهمة العامة تقوم بدورها في تدوير الأصول المالية على أكبر مستوى من السيولة وعلى أوسع قدر ممكن من شرائح المستثمرين؛ الأمر الذي يزيد حقاً من مساهمة الأفراد في الناتج المحلي الإجمالي.
أي أن السوق تسعى دائماً إلى رفع مستوى السيولة في الأسهم؛ والذي هو قدرة المساهم على إيجاد بائع للأسهم التي يريدها بأسرع وقت وبأكثر سعر عدالة.
كما أن السوق ترغب بانتشار الأسهم بين أوسع خريطة ممكنة من المستثمرين يساهم في انتشار العوائد الاقتصادية على أكبر نسبة ممكنة من الأفراد، وهو ما يقلل من البطالة ويرفع مستوى المعيشة ويدعم النمو والرفاهية في المجتمع.
لكن الإشكالية التي تواجه سيولة الأسهم وانتشارها، هي أن الحرية شبه المطلقه للتداول وانتقال ملكية أسهم شركات المساهمة قد يجعل هذه الأسهم تقع في قبضة شريحة قليلة من كبار المستثمرين تكون هي المسيطرة على السوق؛ وبالتالي هي المحتكرة للعوائد الاقتصادية، فيما تخرج باقي شرائح المستثمرين من السوق شيئاً فشيئاً؛ وهو ما سيضر بجاذبية الأسهم ويفقدها سيولتها.
وهكذا، تتحول البورصة إلى سوق للمستثمرين الكبار حيث تتركز ملكيات الأسهم الكبيرة فيها باسم شركات ذات مركز مالي هائل؛ مثل الشركات القابضة ومجموعات الشركات العالمية؛ أي تصبح البورصة بالعامية "سوق هوامير".
منذ إصدار قانون الشركات رقم 1/2016، والذي ترك الحرية شبه المطلقة لتداول أسهم شركات المساهمة؛ فاتحاً الباب لخطر التركز الاقتصادي لملكيات الأسهم لشريحة صغيرة من كبار المستثمرين دون دعم تشريعي لسيولة الأسهم.
وهكذا، فقد كان من واجب هيئة أسواق المال -وهي الجهة المنظمة لعمل هذه الأسواق- أن تسعى لفرض قواعد تنفيذية قادرة على توسيع رقعة انتشار الأسهم بكل شركة مساهمة مدرجة في بورصة الكويت؛ كل ذلك ضمن خطة الهيئة لتطوير الأسواق المالية وزيادة سيولتها وكفاءتها.
وعليه، فقد أصدرت بورصة الكويت -التي تخضع لسلطة الهيئة التنظيمية- قاعدة جديدة مؤخراً تحت مسمى: "الأسهم الحرة"؛ والتي تسعى لضمان انتشار الأسهم في أوسع بيئة ممكنة من المساهمين ودعم سيولتها، فما هي هذه القاعدة؟ وكيف ستؤثر على معايير إدراج شركات المساهمة في بورصة الكويت مستقبلاً؟ وهل تضمن قاعدة "الأسهم الحرة" حقاً انتهاء عصر "سوق الهوامير"؟
أولاً: ماهية "الأسهم الحرة"..
معيار دقيق لتحديد سيولة وانتشار السهم قبل الإدراج
صدر تعديل قواعد بورصة الكويت بقرار البورصة رقم 2/2025 بتاريخ 2-7-2025 حاملاً معه تعريفاً جديداً وهو تعريف "الأسهم الحرة"، كالتالي:
"أسهم رأس المال المُصدَر مستَبعداً منها أسهم الخزينة، والأسهم التي يمتلكها الشخص المستفيد، والأسهم التي يملكها الشخص وأولاده القصر المشمولين بولايته إذا كانت نسبتها 5% أو أكثر من أسهم رأس المال" (مادة 1 بعد التعديل).
وبقراءة تحليلية للتعريف السابق، فإنه قد عرف الأسهم الحرة تعريفاً طارداً؛ أي أن التعريف قد نص على الأسهم التي لا تعتَبَر حرة، وما تبقى من أسهم الشركة يكون هي الأسهم الحرة، كما يلي:
· استثنى التعريف من مفهوم الأسهم الحرة "أسهم الخزينة"؛ وهي عبارة عن كمية الأسهم التي تكون الشركة قد اشترتها من أسهمها، حيث إن شراء الشركة لأسهمها متاح وفق قانون الشركات رقم 1/2016 (مادة 175، شركات)، وهي من أساليب تخفيض رأس المال (مادة 170-3، شركات)؛ أي أن الأسهم التي تسيطر عليها الشركة من رأسمالها المُصدَر هي "أسهم غير حرة".
· كما استثنى التعريف من الأسهم الحرة أسهم الشخص المستفيد؛ وهو الشخص الذي عرفته قواعد بورصة الكويت بالشخص الذي يمتلك مصلحة في 5% أو أكثر من رأس المال بشكل مباشر أو غير مباشر؛ مثل أسهم الجهات المستحوذة على نسب ملكية مرتفعة في الشركة فوق مستوى 5% من رأسمالها المُصدَر، فهي "أسهم غير حرة" وفق التعريف.
وهنا علينا التمييز بين المصطلح الجديد: "أسهم غير حرة"، وبين مصطلح قديم وهو مصطلح: "أسهم مقيّدة"؛ فالأسهم غير الحرة تمت تسميتها كذلك لأنها مملوكة من فئات قليلة ذات مصالح جوهرية في الشركة ترغب بالاستحواذ عليها وفق مصالحها، لكن قابلية تلك الأسهم للتداول وانتقال الملكية تبقى قائمة، بينما "الأسهم المقيدة" فهي تلك الأسهم المجمدة التي لا يجوز تداولها لمدة زمنية معينة بسبب قواعد ملزمة في قانون الشركات تسعى لضمان جودة مشروع الشركة وإدارتها؛ مثل أسهم المؤسسين (مادة 171، شركات) وأسهم أعضاء مجلس الإدارة (مادة 194، شركات).
وبناء عليه، فإن الأسهم غير الحرة هي أسهم قابلة للتداول لكنها مملوكة من فئة أصحاب المصالح وليس من جمهور المستثمرين؛ لذا فهي تشكل حجر عثرة أمام سيولة أسهم الشركة تجاه جمهور المستثمرين، وهو ما يشكل عبئاً أمام انتشار أسهم الشركة فيما بين الفئات المتوسطة والصغيرة من المستثمرين، بينما الأسهم المقيدة هي أسهم غير قابلة للتداول أصلاً فهي أسهم خارجة عن معادلة السيولة نهائياً.
وبالنتيجة، فإن الأسهم الحرة هي تلك الموزّعة على جمهور المستثمرين العاديين من غير أصحاب الملكيات الجوهرية في الشركة، بينما الأسهم غير الحرة هي تلك الأسهم المملوكة لأصحاب المصالح الجوهرية في الشركة الذين ينتمون إلى فئات المستثمرين الكبار والاستراتيجيين أو حتى المستحوذين على الشركة.
وهكذا، فقد أصبح بإمكان البورصة أن تُميّز بين الشركات ذات السيولة والانتشار كلما كانت أسهمها الحرة أكثر وفق المفهوم السابق، وبين الشركات ذات السيولة المنخفضة وضعف الانتشار كلما كانت أسهمها غير الحرة أكثر، لكن تطبيق فكرة "الأسهم الحرة" على شكل معيار لإدراج الشركات في البورصة يتطلب ضبطاً لمتطلبات معيار الأسهم الحرة كما سنرى.
ثانياً: معيار "الأسهم الحرة" للإدراج لأول مرة في السوق الرئيسي..
قياس جودة السيولة والانتشار
جاء معيار الأسهم الحرة الجديد للإدراج في بورصة الكويت ضمن مجموعة من المتطلبات التي يجب تطبيقها بشكل فوري بعد صدور قرار البورصة رقم 2/2025 بتاريخ 2-7-2025، كما يلي:
(1) مكان تطبيق معيار الأسهم الحرة (مادة 7-1-5، قواعد البورصة بعد تعديل 2025)؛ سيتم تطبيق هذا المعيار للإدراج في "السوق الرئيسي"، وهي السوق التي تُمثّل سوق الدرجة الثانية في بورصة الكويت بشركات ذات مقدرات مالية وسيولة متوسطة، لذا يأتي معيار الأسهم الحرة حتى يضمن جودة أكبر في انتشار أسهم شركات السوق الرئيسي وسيولتها، بينما تحظى شركات "السوق الأول" بمقدرات مالية وسيولة عالية أصلاً كمتطلبات للإدراج، لكن بخصوص استمرار الشركة بالإدراج في السوق، عندها سيكون على الشركات المدرجة في السوق الأول أيضاً الالتزام بمعيار الأسهم الحرة للاستمرار بالإدراج في تلك السوق الأول كما سنرى في الفقرة ثالثاً.
أي أن الشركات ذات المركز المالي المتوسط تحتاج إلى معايير تثبت جدارتها على مستوى السيولة وانتشار أسهمها بين شرائح المساهمين؛ لذا فإن معيار الأسهم الحرة سيتم تطبيقه في السوق الرئيسي الأدنى من حيث معايير الإدراج من السوق الأول.
(2) القيمة الدنيا للأسهم الحرة للإدراج في السوق الرئيسي (مادة 7-1-5 (1)، قواعد البورصة بعد تعديل 2025)؛ وضعت بورصة الكويت حداً قيمياً أدنى يجب أن تبلغه الأسهم الحرة في كل شركة مساهمة ترغب بالإدراج في السوق الرئيسي، وهذا الحد هو 5 ملايين دينار كحد أدنى.
أي أنّ معيار الأسهم الحرة يقول لكل شركة ترغب بالإدراج في السوق الرئيسي بضرورة وجود كمية أسهم سائلة حرة تبلغ قيمتها 5 ملايين موزعة على جمهور المستثمرين من غير أسهم الخزينة ولا أسهم أصحاب المصالح الجوهرية في الشركة كما ذكرنا في تعريف الأسهم الحرة.
ولنا أن نتساءل عن كيفية تحديد قيمة الأسهم؛ ففي الواقع للسهم قيم متعددة اسمية ودفترية وسوقية وغيرها؛ هنا قالت قواعد بورصة الكويت بأنّ الحد القيمي للأسهم الحرة البالغ 5 ملايين دينار يتم تحديده من مقوم أصول أو مستشار مرخص من الهيئة. فإذاً، مقياس القيمة المعتمد هو القيمة "السوقية الحقيقية" التي تقيسها خبرة مالية معتمدة، وليس القيمة السوقية اللحظية في بورصة الكويت.
أما إذا كان السهم المطلوب إدراجه غير صادر بعد، فيكون سعر الاكتتاب النهائي للأسهم هو المعيار في تحديد القيمة الدنيا المطلوبة للأسهم الحرة.
لكن قيمة الأسهم لا تعكس الانتشار المطلوب، والذي كان هو الغاية أساساً من إيجاد معيار الأسهم الحرة؛ لذا فقد كان لا بد من وجود حد حجم أدنى إضافة للحد القيمي الأدنى.
(3) الحجم الأدنى للأسهم الحرة للإدراج في السوق الرئيسي (مادة 7-1-5 (2)، قواعد البورصة بعد تعديل 2025)؛ يقول معيار الأسهم الحرة بأنه لإدراج الشركة في السوق الرئيسي لا يكفي أن تكون قيمة الأسهم الحرة 5 ملايين دينار، بل يجب أن يكون حجمها موزعاً على ما نسبته 20% من أسهم الشركة المصدرة على الأقل.
أي أن وجود أسهم حرة بقيمة 5 ملايين دينار مُوزّعة على عدد محدود من المساهمين لا يصل من حيث الانتشار إلى ما نسبته 20% من رأس المال المُصدَر سيعني عدم قبول إدراج الشركة في السوق الرئيسي لعدم تحقيق معيار الأسهم السائلة الحرة من حيث الحجم الأدنى.
وهكذا، فقد ضمنت بورصة الكويت حداً كمياً أدنى من انتشار الأسهم في الشركة على جمهور المستثمرين، وهو ما يمنح هؤلاء المساهمين من فئة الجمهور قوة تصويت أعلى في مجلس الإدارة بالنظر إلى نسبة الـ 20% كحد أدنى؛ وهو ما يساعد في زيادة المساهمة الحقيقية للمساهمين في قرار الشركة وفي مسيرة نجاحها.
لكن إذا نظرنا بواقعية أكثر، فإن قيمة الأسهم الحرة المطلوبة كحد أدنى (5 ملايين دينار) هو شرط أسهل من شرط انتشارها على 20% من حجم أسهم الشركة ككل؛ خاصة بالنسبة للشركات المدرجة حديثاً والتي لم تحظَ بعد بالجاذبية المطلوبة في السوق حتى تنتشر بهذا التوسع.
لذا، فإن قاعدة السيولة والانتشار للأسهم الحرة على +20% من أسهم الشركة هي قاعدة يمكن للبورصة أن توصي بتجاوزها بتوصية مسببة يتم رفعها إلى الهيئة صاحبة القرار كما نصت قواعد البورصة بتعديلها الأخير؛ وهكذا تكون قاعدة الحد الأدنى الحجمي للأسهم الحرة قاعدة مرنة ومرتبطة بالواقع وليس فقط بالقواعد النظرية.
ثالثاً: معيار "الأسهم الحرة" للاستمرار بالإدراج في السوق الأول والرئيسي..
ضمان استمرار جودة السيولة والانتشار
يوجد نوعان من قواعد الإدراج في البورصة، وهما قواعد الإدراج لأول مرة وهي التي تحدثنا عنها في الفقرة ثانياً فيما يخص بالأسهم الحرة، ويوجد أيضاً قواعد تلتزم الشركة بها حتى تستمر بالإدراج بعد أن كانت قد حققت معايير الإدراج للمرة الأولى.
وهذا يعني أن البورصة تنظر إلى قواعد الاستمرار بالإدراج بشكل مرن بالنظر إلى ضرورة مراعاة الظروف المالية المتغيرة في الأسواق، ولهذا فلم تفرض البورصة معايير الإدراج كشروط استمرار متصلبة.
بل إن البورصة قد نظرت لشروط الاستمرار بالإدراج بشكل أكثر مرونة فيما يخص الأسهم الحرة وفق قاعدة مؤجلة التطبيق حتى 2026، كما يلي (المادة 7-8-3، قواعد بورصة الكويت بتعديل 2025):
· الاستمرار على قيمة الأسهم الحرة بما يبلغ 5 ملايين دينار طيلة الإدراج في السوق الأول أو الرئيسي، أو الاستمرار بالاحتفاظ بحجم للأسهم الحرة يبلغ 20% من رأسمال الشركة، أيهما أقل.
وتعني هذه القاعدة ببساطة أنّ بورصة الكويت قد خيّرت الشركات الراغبة بالاستمرار في السوق الأول أو الرئيسي أنْ تبقى قيمة الأسهم الحرة بما يساوي 5 ملايين دينار، وفي حال انخفضت قيمتها عن هذا المبلغ، فلا يعتبر أن الشركة قد أخلّت بشروط استمرار الإدراج إذا كانت أسهمها الحرة ما تزال تشكل 20% من حجم رأس المال المُصدَر.
باختصار، نجد أن بورصة الكويت رضيت بأن تكون الأسهم الحرة ذات قيم أقل من القيمة الدنيا (5 ملايين دينار) إذا كان سيولة انتشارها بين مساهمي الشركة يبلغ 20% وما فوق،
وكذلك رضيت البورصة بأن يقل انتشار الأسهم الحرة عن 20% من رأسمال الشركة إذا بقيت تلك الأسهم محافظة على قيمتها الدنيا البالغة 5 ملايين دينار.
وتجدر الإشارة الى أن النقطة الجوهرية اللافتة في قاعدة استمرار الإدراج هو استخدام معيار الالتزام: "أيهما أقل"؛ حيث يتم استخدام هذه القاعدة لتخفيض عبء الالتزام على الشركة الراغبة باستمرار إدراجها، وعدم المبالغة في المعيار القيمي أو الحجمي الذي تلتزم به.
فمثلاً، إذا كانت الـ 20% من الأسهم الحرة المفروضة على الشركة تساوي قيمتها 4 مليون دينار، وكانت الشركة قد حققت هذا المعيار؛ فلا يُنظَر إلى معيار قيمة الأسهم البالغ 5 ملايين دينار؛ لأن معيار انتشار الأسهم الحرة بحجم 20% من أسهم الشركة هو المعيار الأقل المطلوب، وهو الذي حققته الشركة وفق المثال.
وبالعكس، إذا كانت الشركة قد حققت معيار القيمة في الأسهم الحرة لديها التي تبلغ قيمتها 5 ملايين دينار مع حجم يبلغ 15% من رأسمال الشركة مثلاً، فلا يُنظَر إلى معيار الانتشار المطلوب وهو 20% لأن الشركة قد حققت المعيار الأقل في هذه الحالة؛ وهو قيمة 5 ملايين دينار للأسهم الحرة، بينما إذا تمت مطالبة الشركة بانتشار الأسهم الحرة بحجم 20% من رأسمالها؛ فإن ذلك كان سيؤدي إلى مطالبة الشركة بقيمة أعلى من 5 ملايين دينار وفق المثال.
وفي النهاية، إذا أخلّت الشركة المدرجة في السوق الأول أو الرئيسي بمتطلبات الاستمرار بالإدراج أعلاه الخاصة بالأسهم الحرة، فيتم إخطارها بعد التأكد من هذا الإخلال بموجب مراجعة سنوية لميزانيتها، ثم تضع البورصة تلك الشركة على قائمة الشركات المخلة بالتزاماتها، فإذا بقي الإخلال حتى المراجعة السنوية التالية فيتم وقف تداول سهم الشركة المخلة، وتصبح معرضة أيضاً لخفض الإدراج من السوق الأعلى إلى السوق الأدنى.